قبل أن أبدأ
أريد التأكيد على أني لا أرمي بما أكتب إلى معانٍ خفية
أو أهداف غائبة، أو مقاصد قلبية!!
كما قد يفسر ذلك بعض من يقرأ كلامي
وربما أوّله من يتربص بما في نفسه!
ممن أسميهم: متلازمة ما بين السطور!
إنما يكمن السر في ألفاظي المحتملة
أن الكلمات تتراقص أمامي تراقص الفرح الجذل
حتى إن يدي وهي تتلاقطها كمن يلتقط درر الماس والياقوت
وهذه هي الكتابة التي يدعيها اليوم كثير
وهذا حال الكاتب المعنى
أعانه الله على مثل هذا العذاب!
فالكاتب لقب كبير،
لم يكن يطلق إلا على من بلغ الشأن في شتى العلوم
حتى عدوا منها : علوم الشريعة ، وعلوم اللغة ،
وكان له اطلاع على الثقافات..
وعد موسوعة في المعارف والسير والتواريخ…
فحينها
– وقد جمع الكاتب أمره كله: من مادة وآلة، وتهيأ لكتابة مقالة –
تعتريه حالة من الشعور ، تشبه حالة من يقرض الشعر
فيقاسي خلجات خفية تحتاج إلى الموازنة الدقيقة
بين ما تمليه النفس من بوح وفوح،
وما يستطيعه الجسد من مجاراة لذلك بأعضائه وحواسه!
فيتطلب تدارك الألفاظ الفريدة؛ ذي المقاصد الصحيحة
ويسابق الأفكار العارضة والفارضة
حتى لا تضيع في زحمة اختيار الألفاظ الشحيحة!
فلذلك لا ألام على ما يعرض في الكلام
من ألفاظ ومعان حمالات للوجوه
وما كل من كتب كاتب!
ثم أعود للموضوع والعنوان
بعد هذا التمهيد والتبيان
الذي هو تأسيس له
ومفتاح لبابه..
مبتدئاً بواقعة طريفة
هي طرفة متداولة
وعيتها منذ الصغر:
في أحد مجالس الكبار مكانة وعلماً، بدأ الحاضرون بالتعريف بأنفسهم:
أخوكم: فلان بن فلان، دكتور في جامعة كذا
أخوكم: فلان بن فلان، أحضّر الدكتوراة في جامعة كذا
أخوكم: فلان بن فلان، أحضر رسالة الماجستير في جامعة كذا
أخوكم: فلان بن فلان، معيد في كلية كذا في جامعة كذا
أخوكم: فلان بن فلان، معيد في كلية كذا
وكثر المعيدون
بل كاد المجلس أن يغص بهم
كلهم معيد
فلما جاء الدور على صاحب الطرفة
وكان محرجاً من التعريف بنفسه
تشجع وجسر
بعد أن رأى كثرة المعيدين
فقال في نفسه
الحمد لله أن لي زملاء مهنة
فعرف بنفسه قائلاً:
أخوكم: فلان بن فلان، معيد في الثانوي
فلم يفق من نشوته إلا على تعالي الضحكات والابتسامات
*****
هذا أخ غرّه المصطلح
فهمه خطأ، فوقع في خطأ أشنع!
ونحن اليوم نعاني حقيقة من كثرة الادعاء
وهو مرض عام
فتجد من يدعي العلم والفهم
وهو ممن لم يبذل في ذلك لا عقلاً ولا جسماً
وتجد من يتجسر على التصدر
وهو ممن تزبب قبل أن يحصرم
وتصدم بمن تأهل لمنصب
فأركب القوم شر مركب!
ولا ننسى من ادعى أنه كاتب
وهو يظن أن الكاتب من يعرف الكتابة
فصارت تئن من كثرة كتاباته
الأوراق والمنتديات والجرائد
وأخونا لو سئل عن وظيفته
لقال -كما قال صاحب الطرفة الراسب في الثانوية – :
كاتب في المنتديات والصحف!!
وما ضرّ من لم يعرف أن يتعلم !
وأن لايكون من أصحاب الأشبار !
وأن يقتصد في قوله وفعله !
وأن يعلم أن الادعاء
حبله قصير !